رثاء أمير الشعراء للمنفلوطي وحافظ إبراهيم؛ دراسة موازنة
الكلمات المفتاحية:
الملخص
تعد الموازنات في الأدب العربي من أهم العناصر الفارقة بين الشعراء؛ فلا يتقدم شاعر على شاعر أو أديب عن أديب إلا بعد تمحيص وتدقيق المنتج المعروض على المتلقي. فإذا تنافس الأديبان في موضوع واحد كان السبق لمن نبغ أسلوبه وارتقت بلاغته وأحس معه المتلقي بصدق المشاعر وصفاء الوجدان. ولا شك أن الرثاء من بين الأغراض الشعرية التي يبدع فيها الأديب، والصدق غالب عليه من المطلع وحتى إفراغ كامل الشحنة الحزينة التي تسيطر على الشاعر. ويشترك كل من مقدمة القصيدة وموضوعها الرئيس وخاتمتها في إشاعة جو الحزن والألم على فراق المرثي، مع افتراق كل شاعر عن آخر في أسلوب التعبير عن هذه الأحزان والآلام. وربما نجد شاعرًا يرثي قريبين أو حبيبين، فيبدع في رثاء ويرتقي به، لكنه في الثاني لم يصل به إلى الرقي نفسه. وآنذاك لا بد من النظر في أسلوب الشاعر في كلا النظمين، وبيان أسباب تفوقه هناك وتراجعه هنا، لا لشيء سوى محاولة تلمس جمال العربية وتمكنها من التفنن والتلون والتشكل وفق ما ورد على الأديب من خواطر وأحاسيس. ولسنا بهذا الشأن نقلل من قيمة بعض الأساليب في حين نُقدِّر ونرفع قيمة غيرها، لكننا نشير إلى أفضلية بعضها على بعض، ولو كان هذا لكان أبلغ، ولو قُدِّم أو أُخِّر ذاك لصار أبدع وأدلَّ على المقصود. وهكذا تتجلى روعة العربية في قدرتها على التمايز بين أساليبها لغرض واحد ولشاعر واحد مع الاحتفاظ برونق وعبير كل أسلوب. والدراسة هنا تتناول جانبًا من جوانب الموازنات الشعرية وهو الموازنة بين قصيدتين لشاعر واحد، إحدى القصيدتين في رثاء الأديب الكبير مصطفى لطفي المنفلوطي، والثانية في رثاء شاعر النيل حافظ إبراهيم، وهما من نظم أمير الشعراء أحمد شوقي.
وقد ركزت الدراسة على جوانب عدة، معتمدة في ذلك على ما يمكن أن يكون مواطن متشابهة بين المرثيتين، لا سيما أن المدقق فيهما يجد وجود تشابه إلى حدٍ ما في بعض النواحي، من ذلك على سبيل المثال، مطلع القصيدتين، وكذلك أبيات الحكمة والتي لم يهملها شوفي في كلتا القصيدتين، وقد بدا الشاعر من خلال ذلك وغيره في حلة شعرية تستحوذ عليه، حتى في عمق أزمته النفسية، نجده يتناول آلام الفراق بصيغ وصور متباينة، يفوق بعضها بعضًا.
وبالرغم من أن المرثيَّين أديبان كبيران، إلا أن رثاءهما من قبل أمير الشعراء كان بمثابة جانب أدبي خاص لا بد من الارتكان إليه والتأمل فيه بعمق ومعايشة. وهذا ما حاولنا الوقوف عنده وشرح تفاصيله والتفرقة بين أساليب وتصاوير شوقي لكلا المرثيَّين.