دلالة التوكيد في حوار إخوة يوسف: دراسة بلاغية تحليلية

الملخص

هدفت هذه الدراسة إلى بيان دلالة التوكيد في حوار إخوة يوسف عليه السلام في ضوء علم المعاني، وتطمح إلى كشف خفايا صدور إخوة يوسف من خلال تكرارهم لاستخدام توكيد الخبر في كل كلامهم لِمَنْ يتردد في تصديق قولهم ولمن لا يتردد على السواء؛ مما يرجح فرضية أن إحساسهم الدائم بأنهم موضع شبهة يجعلهم يؤكدون كلامهم؛ ليتمكّن مضمونه من نفوس مستمعيهم حتى ولو لم يكن هؤلاء المستمعون منكرين لأقوالهم؛ وقد جعل هذا المسلك التوكيد في حوارهم هو السمة الأسلوبية الأبرز الجديرة بالتأمل والدراسة.
وجاءت هذه الدراسة في مبحثين: الأول منهما هو المبحث النظري؛ وقد عالجت فيه التوكيد في اللغة العربية، ودواعيه، وسمات النص الحواري؛ لأتخذ من ذلك قاعدة معرفية للانطلاق نحو تحليل وتفسير الآيات الكريمة التي تضمّنت حوار إخوة يوسف، وذلك في المبحث الثاني وهو الجزء التطبيقي من الدراسة؛ حيث قمت باستقراء السورة الكريمة واستخلصت منها المواضع التي اشتملت على حوار إخوة يوسف مع أبيهم في الأغلب، ومع حاشية العزيز تارة، ومع العزيز تارة أخرى، ثم مع يوسف نفسه؛ مستهدفا من ذلك الاستقراء والتصنيف والتحليل الوصول إلى الدلالة النفسية لاستعمال التوكيد على هذا النحو المكثف في حوار إخوة يوسف عليه السلام، وقد استنطقت النص نفسه أولا، ثم استعنت بأقوال المفسرين فيما أنا بصدد تحليله، وقد تبينت أنهم لم يلتفتوا إلى ما اعتنيت به؛ وهو دلالة التوكيد على الحالة الوجدانية لإخوة يوسف، استثني من ذلك ثلاثة من التفاسير الحديثة التي وردت فيها إشارة عابرة إلى هذه الناحية التي جعلتها موضع عنايتي، وهذه التفاسير هي: تفسير المنار، التحرير والتنوير، في ظلال القرآن.
وقد اعتمدت على المنهج الاستقرائي؛ نظرا لكونه أنسب المناهج لطبيعة الدراسة. ومن أبرز ما توصلت إليه من نتائج أن أكثر أدوات التوكيد التي استعملها إخوة يوسف (إن) واللام، ولم يستعملوا من أساليب التوكيد إلا أسلوبا واحدا هو القسم، وقد استعملوه أربع مرات، وأن الحالة الوجدانية لإخوة يوسف كانت هي الباعث الأول لديهم لتوكيد كلامهم، وليس المقام ولا حالة المستمع، وأن التوكيد في حوار إخوة يختلف يوسف قوة وضعفا حسب شعورهم؛ فهم يكثفون التوكيد إذا كذبوا، ويكون متوسطا إذا استعطفوا، ويكون ضعيفا إذا اعتذروا. وأوصي أن يولي الباحثون مزيد عناية بالدلالة النفسية للنص القرآني بصورة عامة؛ فهذا اللون من الدراسة لم ينل من العناية ما يستحق رغم أهميته.