المعايير النقدية للخطابة عند الجاحظ
الكلمات المفتاحية:
الملخص
رافقت المحادثات الإنسان منذ وجوده على التحقيق، وقد تميزت الخطابة بحقيقتها عن مطلق المحادثة العادية إلى فن، واختصت بالجماهير دون الأفراد، وقصد بها التأثير والاستمالة، وليس مجرد التعبير عما في النفس، وكانت نشأتها استجابة لما دعت إليه حاجة الناس، بعد أن توسعت ميادين الحياة وتعددت اتجاهاتها، وما صحبها من اختلافات تدعو إلى توحيد الفكر، أو الإقناع برأي، والتأثير في المخاطبين، وإذا لاحظنا الأديان والرسالات السابقة، أدركنا مقتضيات وجودها ونشأتها كفن متميز.
فهي إذاً وليدة رقي فكري، وتقدم اجتماعي، قضت زمنا حتى ارتفعت وتميزت أولا بالجماهير، وثانيا اختصت بأغراض خاصة ومواقف معينة، وثالثا اتسمت بأسلوب وهيئة، حتى وصلت إلى عصور التدوين على الحالة التي وصلت إليها، من حقيقة مميزة عن غيرها، ولم تزل في رقي حتى أصبحت عنوانا على منزلة الأمم ومكانتها.
وسنحاول في الاسطر القادمة (تمييز الأنماط في اللغة واستعمالاتها)، عندما نتحدث عن علم الخطابة الذي يعد جزء من (فنّ الإقناع)، بلا استطراد ممل أو إيجاز مخل، ونبدأ بدراستها أهم مقوماتها، عند الأديب الجاحظ (159-255هـ)، ولعل أبرز ما دفعني لدراسة أدب هذه الشخصية الفّذة، هو ما تمتع به الجاحظ من فكر موسوعي، لا يرتبط بحدود معينه ولا يقف عند قيود محددة، إذ إنه واسع الثقافة، يطوف بالقارئ في ثقافات متعددة عربية وغير غربية، ناقلا ومقارنا بين أدبنا وآدب تلك الأمم الأخرى.
وتكمن أهمية هذه الدراسة التي اعتمدت (المنهج الوصفي، وتحليل المضمون)، في الإضافة النوعية التي ستقدمها للنثر العربي، ذلك من خلال إبراز القيمة الفنية، والأساليب الجمالية التي ظهرت في الخطب، والوقوف على مقومات الخطبة، والتي يمكّن للباحثين المهتمين بهذا الجنس الأدبي من دراسة قضاياه وتنوعها، كذلك الوقوف على جانب مهم؛ وهو معرفة مقاييس أديب بحجم الجاحظ، ومعاييره في قراءته للخطابة العربية. ومن أبرز ما خلصت إليه الدراسة، أن الأسس التي يرتكز عليها فن الخطابة عند الجاحظ خمسة أشياء، هي: (الطبع – الرواية- الفصاحة- تخير اللفظ).